الاحد الصمد القريب المجيب
صفحة 1 من اصل 1
الاحد الصمد القريب المجيب
الله جل جلاله الأحد
الأحد في اللغة اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية ، فعله أحد يأحد تأحيدا وتوحيدا ، أي حقق الوحدانية لمن وحده ، وهو اسم بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول ما جاء بي أحد ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحد لأنه من الوحدة ، والفرق اللغوي بين الواحد والأحد أن الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود والنفي ، وواحد يصلح في موضع الإثبات ، يقال ما أتاني منهم أحد فمعناه لا واحد أتاني ولا اثنان ، وإذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه أنه لم يأتني منهم اثنان ، فهذا حد الأحد ما لم يضف ، فإذا أضيف قرب من معنى الواحد وذلك أنك تقول : قال أحد الثلاثة كذا وكذا ، وأنت تريد واحدا من الثلاثة.
والأحد سبحانه وتعالى هو المنفرد بنفسه ووصفه المباين لغيره ، كما قال تعالى في معنى الأحدية : } وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد { [الإخلاص:4] ، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية ، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم كما قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11] ، فبين انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى : } هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] ، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله.
الله جل جلاله الصمد
الصمد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالصمدية ، فعله صَمَدَ يَصْمِدُ صَمْداً وهو يأتي على عدة معان : منها السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقْضى دونه أَمر ، ومنها الصَّمد الذي يطعم ولا يَطْعَم ومنها الصَمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّؤدَد في كل شيء فله الصمدية المطلقة ، وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، وقيل : هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقْضَى دونه فليس فوقه أَحد ، وقيل الصمد الذي صَمَدَ إِليه كل شيء أي الذي خَلق الأَشياء كلها لا يَسْتَغْني عنه شيء ، وكلها تدل على وحدانية الله .
وقال ابن الجوزي : ( وفي الصمد أربعة أقوال : أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج رواه ابن عباس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنه قال : الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده ، قال أبو عبيدة : هو السيد الذي ليس فوقه أحد ، والعرب تسمي أشرافها الصمد ، وقال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم ، والثاني : أنه لا جوف له قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي ، والثالث : أنه الدائم ، والرابع : الباقي بعد فناء الخلق حكاهما الخطابي ، وقال : أصح الوجوه الأول لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد القصد ، يقال : اصمد فلان أي اقصد فلان فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج ).
وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل من سواه ، وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب ، وهو الذي يطعم ولا يَطْعَم .
الله جل جلاله القريب
القريب في اللغة فعيل بمعنى اسم الفاعل يدل على صفة القرب ، والقُرْبُ في اللغة نقيضُ البُعْدِ ، قَرُبَ الشيءُ يَقْرُبُ قُرْباً وقُرْباناً أَي دَنا فهو قريبٌ ، والقرب في اللغة على أنواع ، منه قرب المكان كقوله تعالى : } إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا { [التوبة:28] ، وقرب الزمان نحو قوله : } وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ { [الأنبياء:109] ، وقد يكون القرب في النسب والأهل نحو قوله تعالى : } لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ { [النساء:7] ، وكذلك من معاني القرب قرب الحظوة والمنزلة نحو قوله تعالى : } فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ { [الواقعة:88/89].
والقريب سبحانه هو القريب من فوق عرشه أقرب إلى عباده من حبل الوريد كما قال سبحانه : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ { [ق:16] ، وقال : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ { [الواقعة:85] ، والقرب في الآيتين إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما ورد عن ابن عباس رضى الله عنه حيث قال : ( ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) (2)، وروى ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (3) ، فهذا قرب مطلق بالنسبة لله عز وجل لأنه قريب غير ملاصق ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته ، وهو بعيد غير منقطع بالنسبة لمقاييسنا فلا يقدر أحد على إحاطة أبعاد ما بين العرش والأرض من سعتها وامتدادها قال ابن منده : ( فهو سبحانه وتعالى موصوف غير مجهول وموجود غير مدرك ومرئي غير محاط به لقربه كأنك تراه ، قريب غير ملاصق وبعيد غير منقطع ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه وهو بكل شيء محيط ).
وقد يكون القرب قرب الملائكة لأنه ذكر في سياق الآية قرينة تدل على قرب الملائكة حيث قال : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ { [ق:16/17] ، فيجوز هنا أن يكون القرب قرب الملكين ، وأما القرب الوارد في آية الواقعة فهو مقيد بحال الاحتضار لأن الذي يحضر وقتها الملائكة كما قال : } حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا { [الأنعام:61] ، كما أن قوله وأنتم لا تبصرون فيه دليل على أنهم الملائكة ، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره.
فالله عز وجل قريب من فوق عرشه ، عليم بالسرائر يعلم ما تكنه الضمائر ، وهو قريب بالعلم والقدرة في عامة الخلائق أجمعين ، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين ، من تقرب منه شبرا تقرب منه زراعا ومن تقرب منه زراعا تقرب منه باعا وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته (6)، وهو أيضا قريب من عبده بقرب بملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه
ورد اسم الله القريب في القرآن الكريم مطلقا منونا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ومقترنا باسم الله المجيب كما في قوله تعالى : ( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) [هود:61] ، واقترن باسمه السميع في قوله : ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) [سبأ:50] ، وورد الاسم مفردا في قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة:186] ، ولم يرد الاسم إلا في حديث سرد الأسماء عند ابن ماجة من رواية عبد الملك بن محمد الصنعاني ، وهي ليست حجة في إثبات الأسماء الحسنى كما تقدم .
الله جل جلاله.المجيب
المجيب في اللغة اسم فاعل ، فعله أجاب يجيب جوابا وإجابة واستجابة ، والإجابة صدى الكلام أو ترديده ، أو المحاورة في الكلام ورد السؤال (8) ، وعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت : ( وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ ) (9) ، والإجابة كذلك إجابة المحتاج بالعطية والنوال ، وإعطاء الفقير عند السؤال ، فللمجيب معنيان إجابة السائل بالعلم وإجابة النائل بالمال.
والمُجِيب سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء ، وهو اسْمُ فاعلٍ من أجاب يُجيب ، والله هو المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه ، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه ، وكل الخلائق مفتقرة إليه ، ولا قوام لحياتها إلا عليه ، لا ملجأ لها منه إلا إليه ، قال تعالى : } يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { [الرحمن: 29] ، فجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه (10) ، وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء ، فالله حكيم في إجابته ، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال ، أو يدخر له ما ينفعه عن المصير والمآل ، لكن الله تعالى يجيب عبده حتما ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين : } وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ { [البقرة:186] وقال أيضا : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { [غافر:60] ، ومن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ في الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ ؟ قَالَ : يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لي ). سمى الله نفسه المجيب على سبيل الإطلاق والتعظيم ، وقد ورد الاسم معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) [الصافات:75] ، وقوله سبحانه : ( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) [هود:61] ، ولم يرد الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء عند الترمذي وابن ماجة.
الله جل جلاله الغَفُورُ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى