المتين القيوم العلى
صفحة 1 من اصل 1
المتين القيوم العلى
الله جل جلاله المتين
المتين في اللغة هو الشيء الثابت في قوته ، الشديد في عزمه وتماسكه ، والواسع في كماله وعظمته ، متن يمتن متانة أي قوي مع صلابة واشتداد ، ويلحق بهذا المتون الثبات والامتداد ، فيكون المتين بمعنى الواسع ، قال ابن منظور : ( المَتْنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون )
والله متين في ذاته قوي شديد وواسع كبير محيط ، فلا تنقطع قوته ولا يلحقه كلل في قدرته ، فالمتين هو القوي الشديد الذي لا يلحقه في أَفعاله مشقةٌ ولا كُلْفة ولا تعَبٌ (10) ، قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ { [الذريات:58] ، فالله عز وجل من حيث إنه بالغ القدرة تامُّها قَوِيّ ، ومن حيث إنه شديد القُوَّة متِينٌ
وقال تعالى : } وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ { [القلم:45] ، الكيد على إطلاقه هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء عند الابتداء ، وقد يكون محمودا مرغوبا إذا كان مقابلا لكيد الكافرين والسفهاء ، فإذا كان الكيد عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل : الكيد صفة الله ، فهذا باطل لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل : كيد الله للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهذا كيد مقيد لا يحتمل إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال كما أثبت ذلك لنفسه فقال : } إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً { [الطارق:16] ، وقال : } وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ { [الأعراف:183] (12) ، فوصف الله كيده للكافرين بأنه كيد شديد قوي متين ، لا يمكن لأحد منهم رده أو صده ، والله غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله.
الله جل جلاله القَيُّومُ
القيوم في اللغة صيغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول من صفة الذات والثاني من صفة الفعل ، وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره ، الباقي أزلا وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمر خلقه في إِنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم وهو العليم بمُسْتَقَرِّهم ومستودعهم وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يْتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له .
فالقيوم هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير أو تأثير ، فقد يكون الحي سميعا لكن يتأثر سمعه مع مرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة إضافية للسماع ، يضع سماعة أو آلة يستعين بها لإكمال سمعه فيلزم لاتصافه بكمال السمع أن يكون قيوما في سمعه له البقاء والكمال فيه على الدوام ، وقد يكون الحي بصيرا لكن بصره يتأثر مع مرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة إضافية للإبصار ، فيضع زجاجة أو نظارة يستعين بها ، فيلزم لاتصافه بكمال البصر والإبصار أن يكون قيوما في بصره له البقاء والكمال فيه على الدوام ، والحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالغفلة والسنات فتتأثر وتضمحل وربما ينام أو يموت فتزول وتنعدم ، فلو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك قال تعالى : } اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ { [البقرة:255] ، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله ، وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات.
أما دلالته على صفة الفعل فالقيومية هنا مردها إلى معنى الربوبية ، فالقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ، ومنه قوله تعالى : } أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ { [الرعد:33] ، وعند البخاري مرفوعا : ( أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ) (5) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ { [فاطر:41].
ورد الاسم مقترنا باسم الله الحي كما في الآيات السابقة وأيضا في قوله تعالى : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْما ً{ [طه:111] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )
وقد اعتبر بعض العلماء القائم والقيم والقيام من الأسماء الحسنى ، وليست كذلك لأنها وردت مضافة مقيدة ، وورد الإطلاق في القيام فقط لكن في قراءة شاذة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الله جل جلاله العَلِيُّ
العلي في اللغة فَعِيل بمعنى فاعِل ، صفة مشبهة للموصوف بالعلو ، فعله علا يعلو علوا ، والعلو ارتفاع المكان أو ارتفاع المكانة ، فمن علو المكان ما ورد في صحيح الإمام مسلم من حديث َزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : } وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ { [الشعراء:214] ، انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلاَ أَعْلاَهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ إِنِّي نَذِيرٌ ) (7)، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ : يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا ) .
أما العلو بمعنى علو الرفعة والمجد أو الشرف والمكانة فكقوله تعالى : } فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ { [محمد:35] ، وعَلا في الأرض واسْتَعْلَى الرجل علا وتكبر ، والعَلْيَاءُ كل مكان مشرف ، والعَلاَء والعُلاَ الرفعة والشرف .
والعلي في أسماء الله هو الذي على بذاته فوق جميع خلقه ، فاسم الله العلي دل على علو الذات والفوقية ، وكثير من الذين شرحوا الأسماء حاولوا بكل سبيل تفسير العلو الذي دل عليه اسمه العلي بعلو المكانة والمنزلة فقط ؛ إما هربا من إثبات علو الذات والفوقية أو نفيا صريحا له
والذي عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء المتبعين أن الله عز وجل عال على عرشه بذاته ، وبكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا ، لا ينازع أحد منهم في ذلك ، ولا يمنع أن يسأل عن ربه أين هو ؟
وأدلة الكتاب والسنة تشهد بلا لبس أو غموض على ذلك ، ودائما ما يقترن اسم الله العلي باسمه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ، ففي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله بعد أن قال تعالى : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا { ، قال : } وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيم { [البقرة:255] ، ولما ذكر علوه فقال : } فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ { ، ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال : } لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم { [المؤمنون:116] ، ولما ذكر إعراض الخلق عن عبادته أعلم نبيه صلى الله عليه و سلم في أعقاب ذلك أنه الملك الذي لا يزول عن عرشه بإعراض الرعية في مملكته كشأن الملوك من خلقه ، لأنه المستغني بذاته ، الملك في استوائه ، لا يفتقر إلى أحد في قيام ملكه أو استقراره ، فقال لنبيه صلى الله عليه و سلم : } فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُل حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ { [التوبة:129] ، وقال تعالى : } قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلا { [الإسراء:42] ، فلو كانت هذه آلهة على الحقيقة لنازعوا الحق في عليائه حتى يتحقق مراد الأقوى منهم ويعلو كإله واحد ، وهذا معلوم بدليل التمانع (11) ، أو لو أنه اتخذهم آلهة واصطفاهم لطلبوا قربه والعلو عنده لعلمهم أنه العلي على خلقه .
وما أجمل الهدهد في توحيده لأسماء الله وصفاته وإثباته لعلو الذات والفوقية وإفراد الله عن استواء المخلوق بنفي المثلية ، عقيدة الهدهد الموحد تنزيه بلا تمثيل وإثبات بلا تعطيل قال : } إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيم { [النمل:23/26] ، وقال تعالى أيضا في وصف علوه : } رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العَرْشِ { [غافر:15] ، ووصف الله عرشه أيضا بالعلو والمجد في قوله تعالى على قراءة الخفض : } ذُو العَرْشِ المَجِيدِ { [البروج:15] .
فهذه الآيات واضحة في إثبات علو الذات والفوقية وغيرها كثير ، لكن كثيرا من المفسرين لاسم الله العلي جعلوه دالا على معنيين فقط من معاني العلو : وهما علو الشأن وعلو القهر ، واستبعدوا المعنى الثالث وعطلوه وهو علو الذات والفوقية .
والثابت الصحيح أن معاني العلو عند السلف الصالح ثلاثة معان دلت عليها أسماء الله المشتقة من صفة العلو ، فاسم الله العلي دل على علو الذات ، واسمه الأعلى دل على علو الشأن ، واسمه المتعال دل على علو القهر ؛ والمتكلمون أصحاب الطريقة العقلية والأقيسة المنطقية في وصف الذات الإلهية ينفون عن الله علو الذات والفوقية لأنه عندهم يدل على إثبات المكان لله ، وما كان في مكان فهو محصور فيه ولذلك لا يجوز عندهم بحال من الأحوال أن يسأل عن الله بأين ؟ وهذا مخالف لصريح السنة فقد ثبت في حديث الجارية الذي رواه مسلم من حديث مُعَاوِيَة بْنِ الحَكَمِ رضى الله عنه قَالَ : ( كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ ، قُلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ أُعْتِقُهَا ؟ قَالَ : ائْتِنِي بِهَا ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاء ، قَالَ : مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ).
وهذا الحديث مع وضوحه كالشمس في أن الرسول صلى الله عليه و سلم سأل عن الله بأين سؤالا لا لبس فيه ولا غموض إلا أن الكثيرين من المتكلمين تأبى أنفسهم إثباته ، لأن أين هنا يتصورون منها المكان الذي في عالم الشهادة ، والذي يخضع للأقيسة التمثيلية والشمولية ، أما المكان ذو الكيفية الغيبية الذي لا يعلم خصائصه إلا الله فهذا لا اعتبار له عندهم ، ولذلك فإن عقيدة السلف تفرق بين نوعين من المكان
الأول : هو ما كان محصورا بالمحاور الفراغية المعروفة في محيط المخلوقات المشهودة والذي يخضع لأحكامنا العقلية ولأقيستنا المنطقية ، فمكان الشيء يحدد في المقاييس الحديثة باعتبار ثلاثة محاور رئيسية متعامدة ، اثنان يمثلان المستوى الأفقي الموازي لسطح الأرض والثالث يمثل الارتفاع عن ذلك المستوى ، وأجسام الدنيا يحدد مكانها بمدى الارتفاع في المحور الرأسي عن مستوى المحورين الأفقيين ، ولاشك أن هذه المقاييس المكانية لا تصلح بحال ما في قياس ما هو خارج عن محيط العالم ، فضلا عن قياس الأشياء الدقيقة كالإلكترون فقد ثبت أن محاوره أكثر من ثلاثة بكثير .
والثاني : يراد به المكان الغيبي الذي يخرج عن مداركنا ولا نعلم خصائصه لصعوبة ذلك علينا ، والمكان بهذا الاعتبار لا يخضع بحال من الأحوال لمقاييس المكان في حسابات المخلوقين ، فلا يمكن للمتكلمين أن يطبقوا هذه المقاييس على ملك الموت عندما يأتي لقبض الأرواح مع أنه مخلوق له ذات وكينونة منفصلة ، وهو مع ذلك لا يحجبه باب ولا جدار ولا يمنعه جب أو قرار كما قال رب العزة والجلال : } أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ { [النساء:78] ، فملك الموت مخلوق ولا يخضع في مكانه وزمانه لمقاييسنا التي يريدون بها الحكم على استواء الله على عرشه
ومن ثم لا يصلح أن نمنع دلالة الآيات والأحاديث ونحول معنى اسم الله العلي من علو الفوقية إلى علو الرتبة والمنزلة بحجة أننا لو أثبتناها لكان الله في مكان ، فعلو الشأن ثابت بدلالة اسمه الأعلى وعلو القهر ثابت بدلالة اسمه المتعال .
والرسول صلى الله عليه و سلم لما قال للجارية : أين الله ؟ علم صلى الله عليه و سلم أن أين للمكان ويعلم لوازم قوله ، ولو كان في ذلك خطأ وتشبيه وتجسيم كما يدعي البعض ما سأل الجارية بلفظ يحتمل معناه الخلاف ودواعي الاختلاف ، والجارية لما قالت : الله في السماء تعني العلو ، وشهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإيمان ، فلا إشكال عند الموحدين العقلاء في فهم حديث الجارية وقولها إن الله في السماء ، والأمر واضح جلي ظاهر ، فأي اعتراض على ذلك إنما هو اعتراض على رسول الله صلى الله عليه و سلم والرسول صلى الله عليه و سلم لما قال للجارية : أين الله ؟ علم صلى الله عليه و سلم أن أين للمكان ويعلم لوازم قوله ، ولو كان في ذلك خطأ وتشبيه وتجسيم كما يدعي البعض ما سأل الجارية بلفظ يحتمل معناه الخلاف ودواعي الاختلاف ، والجارية لما قالت : الله في السماء تعني العلو ، وشهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإيمان ، فلا إشكال عند الموحدين العقلاء في فهم حديث الجارية وقولها إن الله في السماء ، والأمر واضح جلي ظاهر ، فأي اعتراض على ذلك إنما هو اعتراض على رسول الله صلى الله عليه و سلم .
وعلو الفوقية أو علو الذات الذي دل عليه اسمه العلي ثابت على الحقيقة بالكتاب والسنة وإجماع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم ، فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه بائن من خلقه لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في شيء من ذاته ، وهو من فوق عرشه يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم لا تخفى منهم خافية ، والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى ، والفطرة السليمة والنفوس المستقيمة مجبولة على الإقرار بذلك ، وسيأتي بإذن الله تعالى المزيد عند الحديث عن دلالة الأسماء على الصفات ، لكن كل الأدلة بقرائنها تجعل المعنى الذي دل عليه اسم الله العلي هو علو الذات والفوقية ، قال ابن خزيمة : ( والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه وأعلمنا أنه العلي العظيم ، أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا ؟ لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء ، وفي أجواف جميع الحيوان ، ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها ؛ لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون ، وبأن لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم )
ورد الاسم مقرونا بالعظيم في موضعين من القرآن فقال تعالى : ( وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) [البقرة:255] ، وقال أيضا : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) [الشورى:4] ، واقترن باسمه الكبير في أربعة مواضع من كتاب الله منها قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِير ُ{ [الحج:62] ، وعن أبي داود وابن ماجه وصححه الألباني من حديث عبادة بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ ، ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لي ، غُفِرَ لَهُ ).
وفي سنن ابن ماجه أيضا وصححه الألباني من حديث عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ العَلِىُّ العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ).
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى