الظاهر الباطن المؤمن
صفحة 1 من اصل 1
الظاهر الباطن المؤمن
الله جل جلاله الظَّاهِرُ
ورد الاسم مقترنا بالاسمين السابقين في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وفي السنة أيضا دعاء النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في اسمه الأول : ( وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء ).
الله جل جلاله البَاطِنُ
ورد الاسم مع الأسماء الثلاثة السابقة في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وكذلك ورد في السنة في دعاء النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في اسمه الأول : ( وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ).
الله جل جلاله المُؤْمِنُ
المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قوله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام لما أخبروا والدهم عليه السلام عن خبره : } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ { [يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنه في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلى الله عليه و سلم قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) (1) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال كلها يدل عليها الاسم ويشملها ، لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال :
القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق ، قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً{ [النساء:40] ، وقال : } وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً { [الكهف:49].
القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه وينصره ، كما قال تعالى : } قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ { [المؤمنون:88] ، وقال تعالى : } قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ { [الملك:28] ، لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم كَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ : } وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ { ).
القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه بشهادته فقال : } شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ { [آل عمران:18] ، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا ، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة الجواب ، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب ، وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون فطالبوا التحاكم إلى شهادة أستاذهم ، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين ، فكذبوا أستاذهم وطالبوا بشهادة الأعلى من المتخصصين ، فشهدوا لأستاذهم وللمجتهدين ، فكذبوهم وطالبوا بشهادة من وضع الاختبار ومن يرجع إليه القرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال ، فشهد بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والمجتهدين وكانت شهادته لهم تصديقا وإعلاما وإخبارا وحكما عدلا وقولا فصلا لا مجال لرده ولا معقب لقوله .
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في الدنيا والآخرة كما قال : } قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ { [البقرة:38].
فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات ، وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم الرسل ، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب ، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب ، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم : } ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون { [الأنعام:23/24].
وعند طرح القضية طلبت الأطراف المعنية شهادة داعيتهم أو أولو العلم من قومهم وهم الذين نقلوا لهم مراد ربهم ، فشهد أولو العلم بضلال المشركين وخطئهم وصحة ما جاء عن رسلهم ، فما كان من المشركين إلا أن كذبوهم وطالبوا بمن هو أعلى ليشهد على صحة جوابهم واستحقاقهم للنجاح ، فشهدت الملائكة أيضا بخطئهم وصحة ما جاء عن رسلهم فكذبوهم وطالبوا شهادة من وضع الاختبار ومن يرجع إليه الفصل والقرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته هي الفيصل في القضية وأن حكمه ملزم لكل الأطراف المعنية ، فقراره للجميع إلزام ، وشهادته قضاء وإعلام وحكمه حكم لا يرد ، فهو الحد الذي يفصل بين المتنازعين ويميز بين المؤمنين والمشركين ، فكان قضاء أحكم الحاكمين وله المثل الأعلى أنه شهد بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم ، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو ، وأنها كلمة الحق وحقيقة التوحيد ، وأنها رد على جميع من ضل من العبيد ، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به .
فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب ، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به ، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه
القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ، قال تعالى : } قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { [آل عمران:95] ، وقال : } ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ { [الأنبياء:9] ، وقال : } إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ { [القمر:55] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قال : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنه أنه قَالَ : ( قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده ، وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه ، وجميع المعاني السابقة حق يشملها الاسم .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى